تعتبر تجربة إنشاء بنوك الادخار المحلية في مصر عام 1963م هى أول محاولة حقيقية للبدء بالعمل المصرفي الذي يلتزم بأحكام الشريعة الاسلامية، حيث تأسست هذه البنوك في مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية على يد الدكتور أحمد النجار- لتقديم خدمات وأعمال مصرفية تتوافق مع الشريعة الاسلامية.
واعتمدت هذه البنوك في عملها على أساس تجميع المدخرات من المواطنين مع إعادة توظيفها وفق صيغة المشاركة، وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققته تلك البنوك خلال هذه الفترة ولكن لم يكتب لها الاستمرارية، حيث توقفت هذه التجربة في عام 1967م لاعتبارات سياسية واقتصادية وإدارية.
وكانت هناك محاولة أخرى لباكستان على يد الشيخ أحمد إرشاد عام 1963م من خلال تحويل أحد البنوك التقليدية إلى نظام متوافق مع الشريعة الاسلامية، إلا أن هذه التجربة لم تستمر إلا لبضعة شهور لعدم وجود تصور شامل ومتكامل للتجربة ولعدم توافر الكوادر البشرية الملائمة لقيادة عملية التمويل.
لم تتوقف محاولات إنشاء البنوك الاسلامية عند هذا الأمر، حيث قدم كل من الوفد المصري والباكستاني خلال المؤتمر الثاني لوزراء خارجية الدول الاسلامية بباكستان عام 1970م مقترحاً لإنشاء بنك إسلامي دولي أو اتحاد دولي للبنوك الاسلامية، وفي عام 1971م تم تأسيس بنك ناصر الاجتماعي في جمهورية مصر العربية وكان أول بنك ينص في قانون إنشائه على عدم التعامل بالفائدة أخذاً أو عطاءً، وفي عام 1975م تم إنشاء بنك دبي الاسلامي في دولة الامارات العربية المتحدة والذي يؤرخ عملياً البداية الحقيقية لنشأة المصارف الاسلامية، وفي عام 1975م أيضاً تم إنشاء البنك الاسلامي للتنمية بالمملكة العربية السعودية كبنك دولي هدفه تنشيط حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتشجيع حركة التجارة البينية بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي.
وفي عام 1977م تم تأسيس بنوك فيصل الاسلامي السوداني وبيت التمويل الكويتي وفيصل الاسلامي المصري، كما تأسس البنك الاسلامي الأردني للتمويل والاستثمار عام 1978م، وبذلك شهد عقد السبعينات والثمانينات من القرن العشرين انتشار البنوك الاسلامية في العالم الاسلامي ومالبث أن واصلت انتشارها خلال عقد التسعينات لتخرج من نطاقها الطبيعي في أسواق الدول الاسلامية إلى أسواق الدول الأخرى، حيث عمدت العديد من البنوك التقليدية العالمية إلى فتح نوافذ لتقديم المنتجات الاسلامية أو فتح فروع بنوك اسلامية بالكامل وذلك بعد أن أثبتت البنوك المتوافقة مع الشريعة الاسلامية إمكانية تفوقها على نظيرتها التقليدية ولاسيما في ظل الأزمات التي تعرض لها النظام الاقتصادي العالمي، ليصل حجم صناعة الخدمات المالية الاسلامية على مستوى العالم إلى حوالي 3.25 تريليون دولار بنهاية عام 2022م، واستحوذ قطاع الخدمات المصرفية الاسلامية على 69.3% من أصول تلك الصناعة (مقابل نسبة قدرها 29.8% لقطاع سوق رأس المال الاسلامي، و0.9% لصناعة التكافل العالمي)، حيث بلغ عدد البنوك الاسلامية في العالم حوالي 1000 بنك منهم 500 بنك اسلامي بالكامل و500 بنك تجاري لديه فروع اسلامية.
وبالرجوع لنشأة البنوك الاسلامية في مصر، فبعد أن توقف العمل ببنوك الادخار المحلية بمحافظة الدقهلية تأسس عام 1971م بنك ناصر الاجتماعي، وفي عام 1977م تأسس بنك فيصل الاسلامي المصري وافتتح أول فروعه في 5 يوليو 1979م وبالرغم من أن هذا التاريخ يمثل استهلال النشاط الفعلي للبنك إلا أن فكرة إنشائه كانت قبل ذلك التاريخ بخمسة أعوام عندما قام صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد الفيصل آل سعود – رحمه الله- بعرض تلك الفكرة على كثير من الشخصيات والمسئولين المصريين لتنال القبول الشعبي والرسمي ويتم الموافقة على تأسيس البنك كأول بنك إسلامي بالكامل داخل جمهورية مصر العربية ليصبح بذلك رائداً للعمل المصرفي الاسلامي في مصر وأحد أفضل البنوك الاسلامية على المستوييْن العربي والعالمي.
توالى دخول البنوك الاسلامية للقطاع المصرفي المصري، حيث تأسس بنك البركة مصر (التمويل المصري السعودي سابقاً) عام ١٩٨٠م وهو أحد بنوك مجموعة البركة المصرفية التي تمتلك أكثر من ٧٠٠ فرع حول العالم وتعمل في ١٧ دولة، وفي عام 2007م تم انشاء مصرف أبوظبي الاسلامي – مصر من خلال استحواذ التحالف الإماراتي بين كل من مصرف أبوظبي الإسلامي و شركة الإمارات الدولية للإستثمار على “البنك الوطنى للتنمية”. وفي عام 1980م وافق البنك المركزي المصري على قيام البنوك التقليدية بافتتاح فروع اسلامية لها، وبذلك يضم القطاع المصرفي المصري حالياً عدد 14 بنك لديها رخصة تقديم منتجات وخدمات مصرفية تتوافق مع أحكام الشريعة الاسلامية منها ثلاثة بنوك اسلامية بالكامل هم بنك فيصل الإسلامي ومصرف ابوظبي الإسلامي وبنك البركة.
كما يوجد نحو 11 بنكاً لديهم فروع اسلامية بجانب فروعها التقليدية وهي بنوك (مصر- ناصر الاجتماعي- المصرف المتحد- الزراعي المصري- أبوظبي الأول- الكويت الوطني- الأهلي المصري- الاستثمار العربي- المصري الخليجي- الشركة المصرفية العربية- قناة السويس) وبلغ عدد الفروع الاسلامية بتلك البنوك نحو 256 فرعاً تشكل نحو 5.5% من عدد الفروع بالقطاع المصرفي، كما بلغ حجم العمل المصرفي الاسلامي بمصر حوالي 562 مليار جنيه تشكل حوالي 5% من حجم القطاع المصرفي في نهاية يونيو 2023م، ويحتل بنك فيصل الاسلامي المصري المركز الأول في سوق الصيرفة الاسلامية بإجمالي أصول بلغت 170 مليار جم وبنسبة 30% من إجمالي أصول البنوك الاسلامية في مصر.