تنامي مكانة دبي على المشهد التجاري العالمي والوجه الجديد للعولمة
بقلم: معالي عبد العزيز عبدالله الغرير، رئيس مجلس إدارة غرف دبي
أحدثت العولمة خلال العقود القليلة الماضية، تحولًا في الاقتصادات وجعلت عالمنا أكثر ترابطاً من أي وقت مضى. يستعرض معالي عبد العزيز عبدالله الغرير، رئيس مجلس إدارة غرف دبي في هذا المقال حالة العولمة في 2023 والدور الذي تلعبه دبي بوصفها بوابة عالمية للتجارة الدولية.
في حقبة ما، بدت العولمة وكأنها قوة لا يمكن إيقافها، وبفضل التقدم التقني، وزيادة حركة السلع والعمالة، نمت اقتصاداتنا لتغدو أكثر تقارباً، وأصبحت مجتمعاتنا أكثر ترابطاً.
أما اليوم، فنرى تأثيرات الجائحة والتغيرات الجيوسياسية المستمرة، وآثار التضخم المتواصل بارزةً في نظامنا الاقتصادي العالمي. إن وجه العولمة يتغير، وهذا التغير يؤدي إلى ما يمكن وصفه بـ “تراجع العولمة” وتشكل كتل اقتصادية إقليمية جديدة.
تأثير “التقارب” و”مساندة الأصدقاء”
بدأت الدول، نتيجة التقلبات المتزايدة في الأسواق العالمية، تنظر إلى الداخل، وتعطي الأولوية لاتفاقيات التجارة الثنائية، التي تتمّ في أغلب الأحيان مع البلدان المجاورة أو القريبة التي تتشارك قيماً مماثلة أو ترتبط بالاتفاقيات التجارية نفسها، وهذه الممارسات، التي يشار إليها باسم “مساندة الأصدقاء” و”التقارب”، آخذة في الازدياد على امتداد عالمنا الذي يشهد المزيد من التفتت.
ولعلّ الأمر يبدو في ظاهره خطوة إلى الوراء، بل قد نتساءل: أوَلَسنا أقوى إذا كنا مجتمعًا عالميًا؟ ألا ينبغي لنا أن نُقيم علاقات مع أكبر عدد ممكن من الاقتصادات؟ لكن الدول التي تفضل العمل وفق نموذج مساندة الأصدقاء، قد تردّ بأن هذا النموذج يمكن أن يُضفي على سلاسل التوريد قدرة أكبر على الصمود، ويزيد الفرص الاقتصادية، ويقلل من المخاطر.
ومع ذلك، ونظراً لنمو أحجام التجارة العالمية، وإن كان بوتيرة معتدلة، فإن بوسع اقتصاد دبي أن يستمر في الانتفاع من الوجه الجديد للعولمة عبر الاستفادة من موقع الإمارة الاستراتيجي على مفترق الطرق بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، والنمو القوي في الاستثمارات الأجنبية في الإمارة.
لقد ساعد احتضان دبي للعولمة على ترسيخ مكانتها مركزاً عالمياً رائداً للتجارة خلال عقود قليلة. واليوم، تستعد الإمارة لتعزيز علاقاتها الدولية ضمن المساعي الرامية إلى مضاعفة حجم اقتصادها خلال السنوات العشرة المقبلة.
تنامي حضور دبي العالمي
في وقت سابق من هذا العام، أطلقت حكومة دبي أجندة دبي الاقتصادية (D33)، التي تهدف إلى مضاعفة حجم اقتصاد الإمارة بحلول عام 2033 من خلال 100 مشروع تحولي. ومن المنتظر أن تحقق هذه المشاريع التقدم المنشود في تنفيذ مخطط دبي للصناعة الخضراء والمستدامة، وإضافة 400 مدينة إلى خارطة التجارة الخارجية لدبي، وفتح ممرات اقتصادية تربطنا مع إفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وغيرها. ولا تتوقف أهداف هذه الأجندة عند ذلك الحد، وإنما تمتد لتشمل تنمية الصادرات والتوسع الاقتصادي المستدام، فضلًا عن ترسيخ مكانة دبي ضمن أبرز ثلاث مدن عالمية في العالم، وأهم خمسة مراكز لوجستية رائدة، وأهم أربعة مراكز مالية عالمية.
إحدى الطرق المهمة التي تضمن مكانة دبي كبوابة عالمية للأعمال والتجارة، تتمثل في مواصلة التوسع العالمي.
وفي عام 2022، أطلقت حكومة دبي مبادرة “دبي جلوبال”، التي تقودها غرفة دبي العالمية، إحدى الغرف الثلاث العاملة تحت مظلة غرف دبي، وتهدف إلى دعم الأهداف الاقتصادية طويلة الأمد للإمارة وإنشاء شبكة متكاملة تشمل 50 مكتباً ترويجياً تجارياً لدبي في جميع أنحاء العالم بحلول نهاية العقد الجاري.
تمتلك غرفة دبي العالمية حالياً 25 مكتباً خارجياً في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط واستراليا، حيث تم افتتاح 10 منها خلال هذا العام وحده. إننا نتقدم بسرعة من خلال شبكة المكاتب الخارجية، نحو تحقيق أهداف أجندة دبي الاقتصادية المتمثلة في زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في دبي إلى أكثر من 650 مليار درهم بحلول عام 2033، وتعزيز التجارة الخارجية في السلع والخدمات إلى 25.6 تريليون درهم في العقد المقبل، وتعزيز التجارة الثنائية ودعم التوسع والنمو الخارجي لشركات دبي.
هذا، ومن المقرّر أن تنظم غرف دبي، منتدى دبي للأعمال، الذي سيجمع أبرز أصحاب المصلحة من القطاعين العام والخاص من جميع أنحاء العالم على مدى يومين في حدثٍ مميز للتواصل وعقد الصفقات. يشكل المنتدى فرصة مثالية لمجتمع الأعمال في دبي للتواصل مع مجتمعات الأعمال العالمية من الوجهات القريبة والبعيدة، بما يدعم طموحات الإمارة الإقليمية والعالمية.
وفي السنوات المقبلة، سوف يستمر اقتصادنا العالمي في التحول وإعادة هيكلة نفسه استجابة لتقلبات السوق، لكن احتفاظه بالمرونة والانفتاح على الفرص في جميع الجبهات، سيمكّن دبي من الاستمرار في قيادة العالم بوصفها مركزاً للابتكار والتجارة العالمية والمشاريع القائمة على التقنيات الحديثة.